الاثنين، 27 أبريل 2009

تمهيــــــــد


تقع شبه الجزيرة الإيبيرية ( إسبانيا والبرتغال).. فتمتد من جبال البريينية في أوربا والتي تدعي خطاء ( البرانس ) ، حتى مضيق جبل طارق .
وهذه التسمية لبه الجزيرة العربية أخذت وفد من إفريقيا منذ أزمنة سحيقة تصل للعصورالجرية الحديثة، ويقال إن ا(الباصك) المقيمين في الجنوب الغربي لإسبانيا من بقاياهم ، وأنهم امتزجوا بالسلتيين الذين جاءوا بعدهم ، فشكلوا قوة لا تقبل بوجود الغرباء ، الأمر الذي جعلهم منغلقين ، وفي غاية التعصب، ومنهم فئات تقيم في أمريكا الجنوبية وجهات من العالم متفرقة ، وفي إسبانيا مركز ثقلهم يتوقون للانفصال ، بل ويناضلون من أجله ولا يزالون يحتفظون بلغتهم التي لا تمت بصلة لأي لغة بالعالم ــ وإن آلت إسبانية في العصور المتأخرة إلى التماسك ، بعد الصراعات التي جرت على أرضها ، وذلك بفضل وحدة اللغة والدين ــ فالملاحظ وجود نزاعات استقلالية خطيرة ، وتلف نسبي في جنوبها ، الذي لم يحظ باهتمام كالاهتمام الذي حظيت به بقية أجزائها.
ازدهرت الحضارة العربية بهذا الجزء بالذات ن وفي العهد العربي شهد أزهى أيامه ، وكان نصيبه من الاهتمام أكثر من سواه، ولعل دليلنا الغرناطي الذي قال مخاطبا زوار الحمراء المتحدثين بالإنجليزية جاءوا من مختلف أنحاء العالم ، فقسموا مجموعات حسب اللغات المعتمدة لشرح الآثار في إسبانية ، وهي على ما أظن الإنجليزية والفرنسية والإسبانية والألمانية والإيطالية ، فتتبع كل مجموعة الدليل الذي يجيد اللغة التي يفهمها أفرادها ن لعله أراد عندما قال:
: إن العرب سموا الجنوب الإسباني الأندلس ــ لفظها بالعربية ــ وتعني بلغتهم الفردوس" أن يظهر محاسن الجزء الذي ينتمي إليه أمام السياح الأجانب ، فوجدها فرصة انتهزها من خلال تركيز الحضارة العربية فيه ، وتعلقهم بما يمتاز به ، وتنعمهم بطبيعته الخلابة، وإنشادهم واشتياقهم وتوقهم وحنينهم له ، لكن الأندلس ــ على حد علمي ــ اكتسبت _الوندلس أو القندلس ) نسبة (للوندال أو القندال) وهم قسم من الشعوب الجرمانية انتشروا عقب انحلال الإمبراطورية الرومانية ابتداءً من القرن الخامس قبل الميلاد وبلغت قوتهم في إفريقيا واسبانيا ذروتها، مما حدا بالإمبراطورية الرومانية الشرقية ، والتي أسسها في آسيا الصغرى ( قسطنطين ) ، على أنقاض الأولى التي قوضها برابرة شمالي أوربا وجنوب شرقي آسيا تأخذ تفوقهم البحري في المتوسط نهب صقلية ، وغزو جنوبي إيطاليا ، وعندما اعتنقوا المسيحية على المذهب (الآيورسي) ، اضطهدوا في بعض عهودهم أتباع الأرثوذكسية غير أن عدم اعتنائهم بالفنون والآداب والعلوم مسح ذكرهم، فمضوا دون أن يخلفوا أثرا أو تأثير.
وذلك عكس (القوط الغربيين ) الذين تغلغلوا في الممالك الرومانية بعد انفصالهم عن القوط الشرقيين في القرن الرابع قبل الميلاد، فشكلوا قوة تُخشى ، وأسسوا فنا ـــ وإن كان محدودا ــ فقد أفسح اندماجهم بالسكان الأصليين واعتناقهم الكاثوليكية مجالا للتجاوب معهم ، رغم كونهم أيضا من قبائل الجرمان البربرية ، فقامت في القرن التاسع عشر الميلادي ، حركة أحياء واسعة بأوربا ، والولايات المتحدة ن لفن العمارة القوطي ــ وإن وجدت أعملا ممتازة ــ فإنها كما يقول الخبراء ــ غلب على معظمها القبح .
وهكذا يتضح لنا أن الأمة العارفة ــ حتى لو قليلا ــ ستنصرها معارفها، وقيمها على الأمة الجاهلة ـــ وإن انتصرت هذه عسكرياً، فالنصر الحقيقي يقوم على الإيمان والفكر والمبادئ لا على الحراب والسيوف والمدافع ، وأظهر مثل في عالمنا العربي أن هجمة التتار رغم وحشيتها وتدميرها لم تنل من قوة المسلمين المعنوية فانصهر كثيرون منهم في بوتقة المجتمع الإسلامي متخلين عن معتقداتهم وعاداتهم وتقاليدهم.
فما بالك بتأثير العرب على الأسبان ، الذي لا زال قائما حتى الآن ، فنسي الناس التسمية القديمة للأندلس ن وصاروا يلفظونها بالكلمة المعربة ، وشيء من التحريف البسيط جدا بحيث لم يغير في جوهرها العربي ، فهم يدعونها (أندلوسية Andlucia) وبهذه التسمية تسمى المقاهي والمطاعم والفنادق والشركات ، فهذا مثلاً، مصرف أندلوسية وذلك مطعمها وتلك محطتها ، هذا فندقها.
ورغم ما قالته المشرفة الاجتماعية الحسناء على رحلتنا من ملقه إلى (إشبيلية) و(قرطبة ) فقد تقلبت موضوعيتها المشوبة بالخضوع الطويل تحت تأثيرات تعادي العرب .
قالت : ( أود أن أحدثكم باختصار عن تاريخ إسبانيا):
فاستمرت تحدثنا عن حالها في عهودها القديمة ن وفي ظل الرومان ، وعن ظلم البرابرة من فرنجة وهون وغال وجرمان ونورماندين ن وفي ظل العرب ، مروراً بعظمة الإمبراطورية الإسبانية التي وصلت أوجها إبان حكم (فيليب الثاني )إلى أن وصلت إلى (فرانكو ) و(خوان كارلوس ) وكانت لمحة ذكية منها إذ أنهت كلامها قائلة(... وهكذا عادت إسبانيا إلى أهلها ومسيحيتها، وواصلت مسيرتها الحضارية غير أنه يجب علينا عدم نكران جميل العرب ، التي بقت آثارهم عنوان أمة استطاعت أن تنفع بمعارفها الإنسانية .
ولكنها ــ إن نجحت في شد الانتباه فقد تعمدت ــ كما يبدو لي عن علم لقنت إياه ــ بث دعاية غير مباشرة ، تقوم مصالح الشركات التجارية عليها ، وبما أن للآثار العربية أهم ما يمكن أن يشاهد ، رغبت بأسلوب مدروس في زيارتها ، ف، وإلا ما معنى عادت إلى مسيحيتها متجاهلة أن التأثير العربي فيها فاق كل تأثير لو لم تقم محاكم التفتيش التي أقل ما يجب أن يقال فيها : إنها كانت عدوة للإنسان أنى حل لمحاولتها تدمير حضارته، وقد صدق الدليل القرطبي حين ذكر أن الحضارة الأيبيرية قرونا عديدة للوراء ، فأصاب التأخر كل صغيرة وكبيرة ، فتبددت الثقافة ، وضاعت المعارف وانهارت العلوم والفنون والآداب.
إن هذه حقيقة ملموسة الآن في إسبانيا ، البرتغال فإلى هذا الوقت تجدهما متخلفين بالنسبة لأوربا ، وذلك عائد إلى ما كان يمارسه في الماضي الساسة بعد خروج العرب منها، هؤلاء الذين أعماهم التعصب، وعصف بهم الحقد فلم يدركوا ما أدركه غيرهم ، فيستثمروا ما كان في متناول أيديهم ن فسبقهم الآخرون.
وكانت إيطاليا منطلق النهضة الأوربية الحديثة حين تسللت إليها من الأندلس عبر صقلية الثقافة العربية الإسلامية ، فإذا بها القنطرة التي نفذت عليها إلى بقية أقطار أوربا حضارة العرب ومن سبقهم بعد أن هذبوها وشذبوها ، فوصلت العصور الوسيطة ، فبدأنا نسمع عن اليوناردرافنشي ) و (دانتي ) و(بوكاسيو) وغيرهم.
لقد كانت الإرهاصات الأولية للنهضة الأوربية ، ما أبدعه العرب المسلمون ، وبعثوه ، فصار نواة للتطور الهائل الذي أصابه الأوربيون ، وكان ــ رغم أولوية سكان أيبيريا ،ــ نصيبهم منها أقل من غيرهم بكثير ، فلم يشعر ملوكهم بالجرم ، أو يقدروا الإنجازات الحضارية كما شعر النورمانديون في صقلية على الأقل ــ وفي مقدمتهم (روجر الثاني ) الذي اعترف بفضل الحضارة العربية ، أعمال العرب فروعي تراثهم ، واهتم بعلمائهم ، وأقطاب مثقفيهم واستدعى العالم الجغرافي ( الشريف الإدريسي ) صاحب (نزهة المشتاق في اختراق الآفاق ) الذي وجد في بلاط الملك الصقلي الحفاوة والإكرام.
وإن تفوقت اسبانيا في فترة من الفترات عسكرياًــ فإنها لم تلبث طويلاً فتحطم تفوقها على صخرة تخلفها الناجم أساساً من محاربة ملوكها للعقيدة الإسلامية ، والثقافة العربية ، حين عمدوا إلى إطلاق أيدي غلاة رجال الدين الكاثوليك ، فأقاموا محاكم للتفتيش على غرار المحاكم اتي أقيمت في فرنسا بالعصور الوسطى، حيث اشتد البرهان الدومنيكيون في التحقيق بشأن المخالفين لتعاليم الكنيسة ــ وإن لجأت هذه للتعذيب ــ فإنها لم تحكم بالإعدام على إنسان ، بينما المحاكم الثانية في أسبانيا لم تترك وسيلة أو أسلوباً ، أو طريقة إلا استخدمتها ، فتفننت في تعذيب العرب المسلمين ، وعزرت مئات الألوف منهم ، فأقامت المقاصل ، ونصب المشانق ، وشردت واغتصبت واعتدت، بل امتدت رقابتها إلى الفكر ، ولما كانت أعمالها خرقا صارخاً لحقوق الإنسان ، فقد تردد ــ حتى البابا ــ في تأييدها نظرا لممارستها أللإنسانية ، إذ خلقت في النفوس ذعرا شديداً، كان دافعاً لقيام عصيان في وجه تأسيس محاكم مماثلة في الأراضي المنخفضة ، وفي نابلي قوض الأهالي سلطة القائمين عليها
هذه المحاكم اضطرت من لم يفر من وجهها ، أو يذهب ضحية لأحكامها الجائرة ، إلى التستر على دينه ولغته وعاداته فظل هذا التستر حتى صار عادة شكلها الكره والخوف ــ ولا يستبعد الكثيرون وجود من يمارسون طقوسهم وفقاً لما ينص عليه الدين الإسلامي ، ولكن ليس بالشكل الصحيح ، بسبب الحقب الزمنية الطويلة التي أنستهم كثيراً من المطلوب ولعدم اتصالهم بالمسلمين .
وفي أمريكا الجنوبية حالياً قبائل انعزلت عن الناس ، وفضلت الجهل بظل الحرية على العبودية بظل المدنية ، ويستدل بعض الباحثين من إجابات زعمائها على عروبة أفرادها ، لأنهم رغم قدومهم من إسبانيا أثناء التوسع ينكرون انتمائهم إليها ويقولون : إنهم فروا إلى العالم الجديد طلباً للأمن ، ولكنهم في موطنهم الجديد لم يختلطوا بالناس فظلوا مستقلين بحياتهم بعيدين عن جور الإنسان وظلمه.
بعد الخروج العرب من إسبانيا في القرن الثالث عشر ، وسقوط آخر ممالكهم (غرناطة) " 898هـ ــ 1492هــ ) بدت في الأفق ملامح مرحلة جديدة فحدثت تحولات كبيرة إذ زال حكم إسلامي في الغرب وقامت في الشرق للمسلمين دولة عظيمة سنة 1453م وبدأت خلال ذلك الكشوف الجغرافية التي غيرت مسيرة الحياة البشرية ، وأخذ تكالب الاستعمار الأوربي مع الزمن تشتد وطأته.
***

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق