
الإسبانية التي تسبه الكبسة السعودية ــ جنوب إسبانيا ينحرون الذبائح في عيد الأضحى ــ ليس غريباً أن يطول الحديث بين أسرتين صديقتين في عرض الشارع العام ــ ما يدعو للإعجاب أن العهر الجهري محدود رغم أن إسبانيا بلد سياحي من الدرجة الأولى .
أخذ التأثير العربي مداه الواسع في حياة الشعب الإسباني .. وظل أثر القرون الثمانية التي حل بها العرب فيها مائلاً للعيان في حياة الإنسان الإسباني المعاصرة ــ وبالأخص ــ الجزء الجنوبي منها المعروف بالأندلس .. حيث بلغ درجة ملحوظة بوضوح في كل شيء .. فبدت فعاليته رغم رغم محاربته ــ في البداية ــ متجلية ــ ليس فقط بالملامح ــ بل في أخلاق الناس ولغتهم وتقاليدهم .. وعاداتهم وتصرفاتهم وأطرزة مبانيهم ، وتأثيث بيوتهم ، فمصلاً من المألوف أن ترى التقبيل بين الرجال ، وهذه عادة ــ كما هو معروف ــ ليست موجودة في بقية القارة الأوربية حتى بين الأخوة ــ وإن طال غياب بعضهم عن بعض سنين عديدة ــ والمصافحة في الأمكنة العامة أيضاً ــ حتى إن لم تظل فترة الغياب ولا يعرفك معرفة صداقة ــ وذلك بعكس ما في أوروبا .. حيث يكتفي الإنسان عندما تقابله بالشارع بالتلويح بيده أو بإيمائه من رأسه لأقرب الأصدقاء إليه ..
كما أنه ليس مستغربا رؤية صديقتين تلتقيان صدفة في أحد في احد الشوارع العامة فيطول الحديث بين أفرادها، وترتفع أصواتهم بعبارات المجاملة أو العتاب في عرض شارع مزدحم .. ولا تعجب حين تجدهم يقذفون ما في أيديهم في الأرض .. ولا يكلفون أنفسهم بالبحث عن صناديق الفضلات ، وقد حدث أن كنت راكباً عربة (كارو) وكان في يدي عقب سيجارة أردت التخلص منه ظانا أن في العربة مرمدة أجهل مكانها .. فسألت سائقها فقال مشيراً للأرض ما فهمت ألا عليك أن رميتها على الأرض وهذا الأمر يبدو لي : أن بريطانيا المتشددة بدأت تتخلى عن تشددها بعد الغزو السياحي العربي الذي حدث في السنوات الأخيرة ـ لاسيما ــ في لندن التي خرجت عن وقارها فتحكم كبرياؤها على صخرة العجز المادي في ميزانيتها التي أنقذتها من التدهور السياحة العربية .. فبتنا نرى أحياء فيها تخلت عن إنجليزيتها مفضلة الربح من خلال الكرم العربي الذي لم يألفه عبيد المال .. فتسابقوا في سبيله لخدمة السائح العربي الذي يلتذ بالعطاء أكثر من التذاذه بالأخذ.
أما إسبانيا ..فهذه طبيعة في أهلها لا افتعال ... والجميل أن فوضوية الأندلسي منتضمة بانضباط غير قاس... حيث تتسم بالأدب الجم وحب الغريب .. والرغبة في التحدث إليه.. وخدمته .. فصار بمسلكه هذا في موقع وسط بين الأوربي والعربي .. فهو بحكم تأثر ماضيه البليغ فيه ما زال نظراً للاتصال الديني والعرقي والموقع الجغرافي والعلاقات الثقافية ..فامتص بهذا خلاصة روح حضارتين ..بحيث بدأ ساسة إسبانيا المعاصرون يدركون طبيعة العصر وفضل العرب ويقدرون مواقفهم القومية.
أما ما يتهم به الأوربيون الأسبان .. فإنه عتقاد خاطئ لأن البساطة والطيبة والتواضع ، وهي صفات يتحلى بها الأسبان تقريبا .. لا تعني السذاجة .. والغباء ــ وإذا كان الإسباني لا يجيب بسرعة ــفمرد ذلك كما يظهر لي ليس عدم الفهم السريع ، بل حواجز تاريخية ولغوية ونفسية فالأسباني بطبعه يكره التعالي والظهور بمظهر المغرور..وإن عمل في فرنسا أو إنجلترا عملاً متواضعاً فهذا لا يعني أنه أدنى مستوى من غيره ولكن بعض الأسبان حكمت عليهم ظروفهم بذلك .. ومادام الإنسان يعمل بجد وإخلاص يجب أن يقدر مهما يكن نوع عمله.
وإذا كان الهولندي الذي التقيت به في (ميدرجال) قد أخذ يحدثنا عن أسوان التي أقام بها قرابة الأربع سنوات ، وأنه مقيم منذ خمس سنوات في أسبانيا يعاني كثيراً كما يزعم ــ من غباء أهلها وقال أيضا أنه وعد زوجته بزيارة للبلاد العربية التي يعشقها .. إذا كان يعتقد أن الاستجابة لطلباته واجبة لأنه أرقى مفهوماً بسبب انتمائه لبلد متقدم على البلاد التي يكسب عيشه منها ، فإنه يعيش وهماً كبيراً، فليس كل من يعمل في بلد غريب عن بلده ــ وإن يكن البلد متخلفاً نسبياًــ أن يكون بالضرورة أفضل من مواطني هذا البلد المتخلف أو النامي .. فالبد أن فيها من هم أكثر منه فهماً ومعرفة .. بالأشياء ــحتى وإن يكن هذا البلد في أقصى حالات التخلف ــ فما بالك بأسبانيا التي سادت سنين طويلة . والآن هي تحسب من البلدان تقريباً ، كذلك التفاضل بين الناس بالخلق الحسن ، ومعرفة النفس ، وتقدير المسئولية ..قبل أن يكون بالخبرة العالية والشهادات والأوسمة والمناصب ..وأني لا أستبعد أن من يتصل بهذا الهولندي من جيران وزملاء ومرؤوسين ورؤساء قد لمسوا فيه تغطرساً فتجاهلوه تجنباً للشر .. فظن أن تجاهله
غباء منهم بينما لو علم بأنه أشد احتقاراً لتراجع وهذه عادة يحتمل أن الأسبان قد ورثوها عن العرب ــ لاسيما بالنسبة للإنسان الذي يرى نفسه كبيرا.. وهو لا يساوي شيئا .. فالند اعتاد العرب على احترامه .. وتقديره وعدم تجريح رجولته .. وأخلاقه حتى بالنسبة لأكثر الناس عداوة لهم..
ولكن الأوربيين للأسف ، مازالوا رغم ما أصابوه من التقدم وأحرزوه من الحياة يعيش أغلبهم في مفاهيم القرون الوسطى ، ويفكر رغم تحرر الشعوب تفكيراً استعماريا، يقوم على التفرقة بين الأسود والأبيض ، والتمييز بين جنس وآخر ، .. وعدم الاعتراف بالجميل ،أو تقدير التضحيات السامية ، والمواقف النبيلة ، أو القيم المثل العليا .. فيحاربون كل دعوة تستهدف الإنصاف يخرجهم عن المرتبة الإنسانية .
إن الجنوب الإسباني مهم لكل عربي وعزيز عليه ، لأنه شهد أول وأورع انتصار عسكري للعرب، في القارة الأوربية ن وفيه انكسروا أفظع انكسار .. وعلى أثره انبعثت معطيات عربية أفاد منها العالم أجمع ، وفي العهد العربي زهت الأندلس التي استجاب أهلها لكل ما هو عربي .. فازدهرت الصناعة وراجت التجارة وارتفع شأن الثقافة فراح الأندلسيون يتسابقون على دخول الدين الإسلامي ، وتعلم لغة القرآن ، وقراءة الآداب العربية .. فالأعجب والحالة هذه أن تجد 40% من مفردات اللغة الإسبانية تعود في مشتقاتها إلى أصل عربي وتلفظ كما هي مع شيء من التحريف البسيط .. وأن ترن في أذنك كثير من الأسماء العربية أو المعربة كالجزيرة وبلد الوليد وجبل طارق والطرف الآخر ..الذي كان يدعوه العرب (طرف الغار) وجرت عنده المعركة المعروفة باسمه سنة 1805م بين الأسطول الإنجليزي بقيادة (نيلسون) و الأسطول الإسباني بقيادة (فيلنيف) والذي أخذ منها اسم الميدان الشهير في لندن(traf algar squair) ، والكالدي المشتقة منكلمة القاضي العربية ، وكان مفهومها بالإسبانية القاضي ذي السلطة الإدارية ، فصارت الآن تطلق على رئيس السلطة المحلية .
ويقال إن الناس في جنوبي إسبانيا ينحرون الخراف والأبقار في أيام عيد الأضحى الآن ..فيقولون في المدن (عيد السماء ) وفي الأرياف (يوم مكة ) .. فيذبح الكثيرون منهم الذبائح زاعمين أنه تقليد إسباني يختص به سكان الأندلس ، ومما يلفت النظر أيضا أكلة شعبية مشهورة في كل إسبانيا تشبه إلى حد بعيد الكبسة بطبخها وشكلها لولا الخليط العجيب من اللحوم المأخوذة من شتى أنواع الحيوانات البرية والبحرية والطيور .. وهذه الأكلة يسمونها (البيئة) .. أي بقايا الأطعمة .. ومعناها من لفظها الإسباني بأنها تحريف (للبقية ) ولابد أنها دخلت أسبانيا مع العب .. ولكن لحقها تعديل لا يبدو لي أنه حسنها.
لم يقتصر تأثير العرب في أسبانيا على عادات وأخلاق الناس وأساليب حياتهم ، بل أن تأثيرهم الأعمق رغم ومحاربته ومحاولات إهماله بعد خروجهم من إسبانيا ساعدها كثيرا في نهضتها الحديثة وأعطاها بعدا مميزا ..وذات مستقلة وخصها بنكهة خاصة من الآداب والفنون والألعاب .. فالرقصات الشعبية الإسبانية المعروفة في جميع أرجاء العالم ، والغناء الشعبي الإسباني يبدو التأثير العربي فيهما . وما الجيثار إلا تطوير لعود زرياب ، وفي الأدب نلمس هذا التأثير في معظم إنتاج شعراء وأدباء إسبانيا العظيمة أثناء الوجود العربي عاملا مهما في عمليتي التأثر والتأثير ..حيث تلاحقت الأفكار وتطعمت الآراء مع ما لحق ذلك من التطور الذي نلحظ في قيم واتجاه الإنسان الإسباني المعاصر.
ومن الرياضيات المشهورة في العالم كله .. لما لها من شعبية كبيرة برع بها الأسبان بشكل خاص وأدخلوها إلى معظم الدول الأمريكية فعشقها الكثيرون (مصارعة الثيران) وبالمناسبة فالثور بالإسبانية اسمه (تورو) ويرجع كثير من الباحثين بدايات هذه الرياضة للعهد في شبه الجزيرة الأيبيرية ، فالعرب كما يعتقدون... مارسوا لعبة مشابهة أقبل على مشاهداتها وممارستها الناس .. ويرى بعضهم أن هذه اللعبة لم تظل على حالها المعروف إبان وجود العرب في إسبانيا .. فلحقتها تغيير حتى وصلت إلى ما هي عليه الآن.
ولكن السؤال: كيف انتشرت هذه اللعبة الوحشية في إسبانيا ، المكسيك ومعظم دول قارة أمريكا الجنوبية .. وعرفت فقي العالم كله بينما هي معدومة في العالم العربي ..؟
أما كان الأولى أن تكون معروفة في البلاد العربية التي منها انطلق العرب إلى ك القارات المعروفة أثناء تفوقهم؟!..
يظهر أن للهجمة التترية على الشرق الأوسط أثرها على النفسية العربية التي عزفت عن الممارسات المفرحة حزنا على الضحايا والتراث زمنا طويلا أنسى العرب هذه الرياضة .. وفي إسبانيا ظلت تمارس بأشكال مختلفة نتيجة ما أصابها من تحول بعد طردهم منها مباشرة تمثل في تحريف كثير من مخلفاتهم وإنجازاتهم
قرية أندلسية الطابع
التي حققوها خلال ثمانية قرون .. فقامت دعوة تطالب بالقضاء على كل ما يمت لهم بصلة بغية التخلص من تأثيرهم .. ولما كان الأسبانيين حينذاك ــ عاجزين عن الابتكار أو التأثير الهاضم عمدوا إلى التشويه مما ترتب عليه تحول كثير من الأشياء ومن ضمنها الرياضة العربية الراقية ..التي غدت رياضة وحشية يمجها الذوق ، الأمر الذي يتنافى مع طبيعة الإنسان العربي الرحيمة .. فالمعروف عنه رفقه بالحيوان ــ لاسيما النافع الأليف ــ وهو محب له ولطالما رعاه وتباهى به .. فافتخر بفرسه، وجعل مكانتها في قلبه تساوي مكانه أحب أولاده وغنى لناقته وشبه الأقوياء الأشداء بالحيوانات القوية الصابرة ، وعشق الصقور واهتم بكلاب الصيد ، وهام بالريم .. كما أنه لا يمكن أن يخالف تعاليم دينه فيمارس العنف على الحيوانات ويحتمل كذلك أن الاهتمام بتربية الحيوانات في الأندلس ومن ثم تكاثرها دفع الناس للبحث عن تجارة يفيدون منها فشاعت مصارعة الثيران حتى أصبحت تجارة رابحة .. فصارت تقام مصارعة الثيران الحفلات والمباريات على ملاعب كبيرة تزدحم غالبا بجمهور غفير ، بعضهم يشجع المصارع ، والبعض الآخر يشجع الثور ..ويشارك المصارع على الحلبة ــ معظم المصارعين يتمتعون بشهرة نجوم السينما ــعدة لاعبين يطلق عليهم (حملة الأعلام ) ..ومهمتهم بذل المحاولات لإثارة الثور المعد خصيصاً بقطع من القماش الزاهية ألوانه .. وإلى جانبهم .. (حملة الحراب) وهم الذين يركبون الخيول ومنها يقذفون الثور بالحراب ، وهناك ملاعبوا الثور ، ويناط بهم إلهاء الثور وتحويل أنظاره هذا ومصارعة الثيران تعتبر في إسبانيا والبرتغال والمكسيك، وبعض دول أمريكا اللاتينية الرياضة الوطنية المحبوبة عند الجماهير .. ومما يلاحظ زائر إسبانيا رؤية ثور كبير عند مدخل كل مدينة وقرية..
حتى في ذروة قوة الإنسان وأوج كرههم للعرب .. بعد إكتشاف الإيطالي (كولمبوس) لأمريكا ،سموا كثيرا من البلدان في العالم الجديد بأسماء مدن إسبانية، إما جميلة ، وإما تاريخية تماماً كما سمى العرب اشبيلية(حمص ) وغيرها من المدن الأندلسية لتذكرهم بموطنهم في الشام .. فسموا قرطبة في الأرجنتين ، وفلنسيا في فنزويلا ، التي تشتهر المنطقة الواقعة فيها بحديقة أسبانية لكونها من أجمل البقاع .. وأكثرها خصوبة ، والحقيقة أن كل ما يراه في الأندلس ينطبع بالطابع العربي ، بنسب متفاوتة سواء في الناس أو في الأشياء كالأزقة الضيقة ، والحواري التي تذكرنا بحواري دمشق والقاهرة ، وتونس ، وبغداد ، وفاس .. وذلك في أشكال المنازل المتميزة بنوافذها العربية على أوربا .. وزينتها المستوحاة من الشرق حتى الكنائس تبدو عندنا كالمساجد .. ومرد ذلك الثمانمائة عام التي أقام العرب فيها بإسبانيا، وهذا أمر طبيعي حدوثه" .
ولكن غاب عن صديقنا أن التفوق حين يكون مصحوبا بالعدل والتسامح يجد الاستجابة السريعة فتتحدى العقول والعزائم الصعوبات ، وتذلل وعورة المسالك .. حيث تتمهد السبل نحو بلوغ الغايات فتحقق أفضل حياة يستظل بظلها الناس المتعاملون مع بعضهم برفق وشرف وأمانة .
وقد كان العرب قوما يتحلون بأجمل الصفات.. فاجتمعت فيهم مقومات أدهشت كثيرا من المهتمين بتاريخهم ،وتراثهم ، وسير حكامهم ــ فيما مضى ــ فإنقاذ الناس لهم ، وتفتحت المواهب برعايتهم .. وأقرب مثل نأخذه من إسبانيا العربية، ما حدث إبان إمارة عبدالرحمن الثاني الذي ضرب مثلا بالحلم والصبر والتسامح فتمادت زمرة موتورة لا شأن لها متجرأ على الشكل العلني وقد لمس قاضي قرطبة الذي لم يكن يقل عن الأمير حلما وتسامحا فأراد أن يتجنب هؤلاء المغالين من المسيحيين العقاب فنصح أحدهم على حد رواية ستانلي لين بول بأن لا يتمادى بما هو فيه كي
يتفادى العقاب فقال له :((اذهب يا بني لا يسمعك ولي الأمر فيأمر بقتلك)) مربتا على كتفه ومبتسما في وجهه فذهب هذا مجاهرا بالشتم . فلما بلغ في تجاوزاته حدا لا يطاق صدر عليه الحكم الذي يستحقه ، فسيتقبله مرحبا لاعتقاده الفاسد بأنه سينضم إلى زمرة الشهداء والقديسين .
كما أن الإسبانيين.. حين تقارنهم بعالم القارة الأوربية ، تجدهم محافظين .. ومما يدعوا للإعجاب حقا أن العهر الجهري محدود في إسبانيا .. والميسر إلى ما قبل سنتين كان ممنوعا .. ولا أدري الآن هل أقاموا كازينوهات للمقامرة أم عدلوا عن هذه الفكرة ، فخلال وجودي فيها علمت أنهم يفكرون بفتح أندية للميسر .. بعد أن يجري تعديل القانون الناص على ذلك بحظرها ، وذلك لأن بعض المخططين توهم أ، افتتاح مثل هذه الأندية سيساعد على اجتذاب السياح .. ولكن يفكر هؤلاء بشيء جوهري من شأنه مضاعفة الأعداد مثل تحسين الخدمات أو بيسير المعاملات وتسهيل السفر لبلادهم رغم أن أسبانيا تعتبر في هذه النواحي من أحسن البلدان ، إلا أن التوقف عند حد معناه التجمد ؟ . وفي هذا المجال نجد أن بريطانيا ــ لا زالت رغما من سقوط عظمتها سياسيا واقتصاديا وأخلاقيا وأمنيا ، وحاجتها الماسة للسياح تتدلل بمنح تأشيرات دخول لأراضيها؟!.
إ ن أغلب الذي يؤمون أسبانيا في جميع فصول السنة لا تنقصم هذه النوادي في ديارهم ، ومعظمهم إما من طلاب المعرفة ، ومشاهدة الآثار العربية وغيرها ، والإطلاع على أمهات الكتب ونوادر المخطوطات التي تحفل بها مكتباتها العامرة بشتى ثقافات الأمم .. وإما طلاب راحة واستجمام في (مايوركا) وجزر الكناري . والتمتع بمناخها الدافئ أثناء الشتاء ، المعتدل إبان الصيف.
من هنا تنبعث عظمة رجل اسبانيا الراحل ، الذي استطاع أن يخلص بلاده من الشيوعيين ، والفوضويين ، ودعاة الديمقراطية المزيفة ..فجعل منها بلدا مفتوحاً وبالكل مرحبة ، بعدما قضى على الفتنة وانتصر على معارضيه .. في الداخل والخارج .. وفي الغرب والشرق..فشمل ربوعها الأمن متنعمة بالاستقرار حتى أن نسبة الجريمة فيها قياسا بأوربا المنغمسة بها حتى الرقاب .. لا تكاد تذكر .
نعم لا غرو أن تبدو الأشياء مسلمة في أسبانيا ، رغما على التعصب المسيحي الأعمى من قبل حكامها ، ورهبانها الذين تولوا إدارة شؤونها بعد ترك العرب لها .. فأضروا بها من حيث ارادو نفعها بسبب قصر نظرهم ومحدودية مفاهيم .
أخذ التأثير العربي مداه الواسع في حياة الشعب الإسباني .. وظل أثر القرون الثمانية التي حل بها العرب فيها مائلاً للعيان في حياة الإنسان الإسباني المعاصرة ــ وبالأخص ــ الجزء الجنوبي منها المعروف بالأندلس .. حيث بلغ درجة ملحوظة بوضوح في كل شيء .. فبدت فعاليته رغم رغم محاربته ــ في البداية ــ متجلية ــ ليس فقط بالملامح ــ بل في أخلاق الناس ولغتهم وتقاليدهم .. وعاداتهم وتصرفاتهم وأطرزة مبانيهم ، وتأثيث بيوتهم ، فمصلاً من المألوف أن ترى التقبيل بين الرجال ، وهذه عادة ــ كما هو معروف ــ ليست موجودة في بقية القارة الأوربية حتى بين الأخوة ــ وإن طال غياب بعضهم عن بعض سنين عديدة ــ والمصافحة في الأمكنة العامة أيضاً ــ حتى إن لم تظل فترة الغياب ولا يعرفك معرفة صداقة ــ وذلك بعكس ما في أوروبا .. حيث يكتفي الإنسان عندما تقابله بالشارع بالتلويح بيده أو بإيمائه من رأسه لأقرب الأصدقاء إليه ..
كما أنه ليس مستغربا رؤية صديقتين تلتقيان صدفة في أحد في احد الشوارع العامة فيطول الحديث بين أفرادها، وترتفع أصواتهم بعبارات المجاملة أو العتاب في عرض شارع مزدحم .. ولا تعجب حين تجدهم يقذفون ما في أيديهم في الأرض .. ولا يكلفون أنفسهم بالبحث عن صناديق الفضلات ، وقد حدث أن كنت راكباً عربة (كارو) وكان في يدي عقب سيجارة أردت التخلص منه ظانا أن في العربة مرمدة أجهل مكانها .. فسألت سائقها فقال مشيراً للأرض ما فهمت ألا عليك أن رميتها على الأرض وهذا الأمر يبدو لي : أن بريطانيا المتشددة بدأت تتخلى عن تشددها بعد الغزو السياحي العربي الذي حدث في السنوات الأخيرة ـ لاسيما ــ في لندن التي خرجت عن وقارها فتحكم كبرياؤها على صخرة العجز المادي في ميزانيتها التي أنقذتها من التدهور السياحة العربية .. فبتنا نرى أحياء فيها تخلت عن إنجليزيتها مفضلة الربح من خلال الكرم العربي الذي لم يألفه عبيد المال .. فتسابقوا في سبيله لخدمة السائح العربي الذي يلتذ بالعطاء أكثر من التذاذه بالأخذ.
أما إسبانيا ..فهذه طبيعة في أهلها لا افتعال ... والجميل أن فوضوية الأندلسي منتضمة بانضباط غير قاس... حيث تتسم بالأدب الجم وحب الغريب .. والرغبة في التحدث إليه.. وخدمته .. فصار بمسلكه هذا في موقع وسط بين الأوربي والعربي .. فهو بحكم تأثر ماضيه البليغ فيه ما زال نظراً للاتصال الديني والعرقي والموقع الجغرافي والعلاقات الثقافية ..فامتص بهذا خلاصة روح حضارتين ..بحيث بدأ ساسة إسبانيا المعاصرون يدركون طبيعة العصر وفضل العرب ويقدرون مواقفهم القومية.
أما ما يتهم به الأوربيون الأسبان .. فإنه عتقاد خاطئ لأن البساطة والطيبة والتواضع ، وهي صفات يتحلى بها الأسبان تقريبا .. لا تعني السذاجة .. والغباء ــ وإذا كان الإسباني لا يجيب بسرعة ــفمرد ذلك كما يظهر لي ليس عدم الفهم السريع ، بل حواجز تاريخية ولغوية ونفسية فالأسباني بطبعه يكره التعالي والظهور بمظهر المغرور..وإن عمل في فرنسا أو إنجلترا عملاً متواضعاً فهذا لا يعني أنه أدنى مستوى من غيره ولكن بعض الأسبان حكمت عليهم ظروفهم بذلك .. ومادام الإنسان يعمل بجد وإخلاص يجب أن يقدر مهما يكن نوع عمله.
وإذا كان الهولندي الذي التقيت به في (ميدرجال) قد أخذ يحدثنا عن أسوان التي أقام بها قرابة الأربع سنوات ، وأنه مقيم منذ خمس سنوات في أسبانيا يعاني كثيراً كما يزعم ــ من غباء أهلها وقال أيضا أنه وعد زوجته بزيارة للبلاد العربية التي يعشقها .. إذا كان يعتقد أن الاستجابة لطلباته واجبة لأنه أرقى مفهوماً بسبب انتمائه لبلد متقدم على البلاد التي يكسب عيشه منها ، فإنه يعيش وهماً كبيراً، فليس كل من يعمل في بلد غريب عن بلده ــ وإن يكن البلد متخلفاً نسبياًــ أن يكون بالضرورة أفضل من مواطني هذا البلد المتخلف أو النامي .. فالبد أن فيها من هم أكثر منه فهماً ومعرفة .. بالأشياء ــحتى وإن يكن هذا البلد في أقصى حالات التخلف ــ فما بالك بأسبانيا التي سادت سنين طويلة . والآن هي تحسب من البلدان تقريباً ، كذلك التفاضل بين الناس بالخلق الحسن ، ومعرفة النفس ، وتقدير المسئولية ..قبل أن يكون بالخبرة العالية والشهادات والأوسمة والمناصب ..وأني لا أستبعد أن من يتصل بهذا الهولندي من جيران وزملاء ومرؤوسين ورؤساء قد لمسوا فيه تغطرساً فتجاهلوه تجنباً للشر .. فظن أن تجاهله
غباء منهم بينما لو علم بأنه أشد احتقاراً لتراجع وهذه عادة يحتمل أن الأسبان قد ورثوها عن العرب ــ لاسيما بالنسبة للإنسان الذي يرى نفسه كبيرا.. وهو لا يساوي شيئا .. فالند اعتاد العرب على احترامه .. وتقديره وعدم تجريح رجولته .. وأخلاقه حتى بالنسبة لأكثر الناس عداوة لهم..
ولكن الأوربيين للأسف ، مازالوا رغم ما أصابوه من التقدم وأحرزوه من الحياة يعيش أغلبهم في مفاهيم القرون الوسطى ، ويفكر رغم تحرر الشعوب تفكيراً استعماريا، يقوم على التفرقة بين الأسود والأبيض ، والتمييز بين جنس وآخر ، .. وعدم الاعتراف بالجميل ،أو تقدير التضحيات السامية ، والمواقف النبيلة ، أو القيم المثل العليا .. فيحاربون كل دعوة تستهدف الإنصاف يخرجهم عن المرتبة الإنسانية .
إن الجنوب الإسباني مهم لكل عربي وعزيز عليه ، لأنه شهد أول وأورع انتصار عسكري للعرب، في القارة الأوربية ن وفيه انكسروا أفظع انكسار .. وعلى أثره انبعثت معطيات عربية أفاد منها العالم أجمع ، وفي العهد العربي زهت الأندلس التي استجاب أهلها لكل ما هو عربي .. فازدهرت الصناعة وراجت التجارة وارتفع شأن الثقافة فراح الأندلسيون يتسابقون على دخول الدين الإسلامي ، وتعلم لغة القرآن ، وقراءة الآداب العربية .. فالأعجب والحالة هذه أن تجد 40% من مفردات اللغة الإسبانية تعود في مشتقاتها إلى أصل عربي وتلفظ كما هي مع شيء من التحريف البسيط .. وأن ترن في أذنك كثير من الأسماء العربية أو المعربة كالجزيرة وبلد الوليد وجبل طارق والطرف الآخر ..الذي كان يدعوه العرب (طرف الغار) وجرت عنده المعركة المعروفة باسمه سنة 1805م بين الأسطول الإنجليزي بقيادة (نيلسون) و الأسطول الإسباني بقيادة (فيلنيف) والذي أخذ منها اسم الميدان الشهير في لندن(traf algar squair) ، والكالدي المشتقة منكلمة القاضي العربية ، وكان مفهومها بالإسبانية القاضي ذي السلطة الإدارية ، فصارت الآن تطلق على رئيس السلطة المحلية .
ويقال إن الناس في جنوبي إسبانيا ينحرون الخراف والأبقار في أيام عيد الأضحى الآن ..فيقولون في المدن (عيد السماء ) وفي الأرياف (يوم مكة ) .. فيذبح الكثيرون منهم الذبائح زاعمين أنه تقليد إسباني يختص به سكان الأندلس ، ومما يلفت النظر أيضا أكلة شعبية مشهورة في كل إسبانيا تشبه إلى حد بعيد الكبسة بطبخها وشكلها لولا الخليط العجيب من اللحوم المأخوذة من شتى أنواع الحيوانات البرية والبحرية والطيور .. وهذه الأكلة يسمونها (البيئة) .. أي بقايا الأطعمة .. ومعناها من لفظها الإسباني بأنها تحريف (للبقية ) ولابد أنها دخلت أسبانيا مع العب .. ولكن لحقها تعديل لا يبدو لي أنه حسنها.
لم يقتصر تأثير العرب في أسبانيا على عادات وأخلاق الناس وأساليب حياتهم ، بل أن تأثيرهم الأعمق رغم ومحاربته ومحاولات إهماله بعد خروجهم من إسبانيا ساعدها كثيرا في نهضتها الحديثة وأعطاها بعدا مميزا ..وذات مستقلة وخصها بنكهة خاصة من الآداب والفنون والألعاب .. فالرقصات الشعبية الإسبانية المعروفة في جميع أرجاء العالم ، والغناء الشعبي الإسباني يبدو التأثير العربي فيهما . وما الجيثار إلا تطوير لعود زرياب ، وفي الأدب نلمس هذا التأثير في معظم إنتاج شعراء وأدباء إسبانيا العظيمة أثناء الوجود العربي عاملا مهما في عمليتي التأثر والتأثير ..حيث تلاحقت الأفكار وتطعمت الآراء مع ما لحق ذلك من التطور الذي نلحظ في قيم واتجاه الإنسان الإسباني المعاصر.
ومن الرياضيات المشهورة في العالم كله .. لما لها من شعبية كبيرة برع بها الأسبان بشكل خاص وأدخلوها إلى معظم الدول الأمريكية فعشقها الكثيرون (مصارعة الثيران) وبالمناسبة فالثور بالإسبانية اسمه (تورو) ويرجع كثير من الباحثين بدايات هذه الرياضة للعهد في شبه الجزيرة الأيبيرية ، فالعرب كما يعتقدون... مارسوا لعبة مشابهة أقبل على مشاهداتها وممارستها الناس .. ويرى بعضهم أن هذه اللعبة لم تظل على حالها المعروف إبان وجود العرب في إسبانيا .. فلحقتها تغيير حتى وصلت إلى ما هي عليه الآن.
ولكن السؤال: كيف انتشرت هذه اللعبة الوحشية في إسبانيا ، المكسيك ومعظم دول قارة أمريكا الجنوبية .. وعرفت فقي العالم كله بينما هي معدومة في العالم العربي ..؟
أما كان الأولى أن تكون معروفة في البلاد العربية التي منها انطلق العرب إلى ك القارات المعروفة أثناء تفوقهم؟!..
يظهر أن للهجمة التترية على الشرق الأوسط أثرها على النفسية العربية التي عزفت عن الممارسات المفرحة حزنا على الضحايا والتراث زمنا طويلا أنسى العرب هذه الرياضة .. وفي إسبانيا ظلت تمارس بأشكال مختلفة نتيجة ما أصابها من تحول بعد طردهم منها مباشرة تمثل في تحريف كثير من مخلفاتهم وإنجازاتهم
قرية أندلسية الطابع
التي حققوها خلال ثمانية قرون .. فقامت دعوة تطالب بالقضاء على كل ما يمت لهم بصلة بغية التخلص من تأثيرهم .. ولما كان الأسبانيين حينذاك ــ عاجزين عن الابتكار أو التأثير الهاضم عمدوا إلى التشويه مما ترتب عليه تحول كثير من الأشياء ومن ضمنها الرياضة العربية الراقية ..التي غدت رياضة وحشية يمجها الذوق ، الأمر الذي يتنافى مع طبيعة الإنسان العربي الرحيمة .. فالمعروف عنه رفقه بالحيوان ــ لاسيما النافع الأليف ــ وهو محب له ولطالما رعاه وتباهى به .. فافتخر بفرسه، وجعل مكانتها في قلبه تساوي مكانه أحب أولاده وغنى لناقته وشبه الأقوياء الأشداء بالحيوانات القوية الصابرة ، وعشق الصقور واهتم بكلاب الصيد ، وهام بالريم .. كما أنه لا يمكن أن يخالف تعاليم دينه فيمارس العنف على الحيوانات ويحتمل كذلك أن الاهتمام بتربية الحيوانات في الأندلس ومن ثم تكاثرها دفع الناس للبحث عن تجارة يفيدون منها فشاعت مصارعة الثيران حتى أصبحت تجارة رابحة .. فصارت تقام مصارعة الثيران الحفلات والمباريات على ملاعب كبيرة تزدحم غالبا بجمهور غفير ، بعضهم يشجع المصارع ، والبعض الآخر يشجع الثور ..ويشارك المصارع على الحلبة ــ معظم المصارعين يتمتعون بشهرة نجوم السينما ــعدة لاعبين يطلق عليهم (حملة الأعلام ) ..ومهمتهم بذل المحاولات لإثارة الثور المعد خصيصاً بقطع من القماش الزاهية ألوانه .. وإلى جانبهم .. (حملة الحراب) وهم الذين يركبون الخيول ومنها يقذفون الثور بالحراب ، وهناك ملاعبوا الثور ، ويناط بهم إلهاء الثور وتحويل أنظاره هذا ومصارعة الثيران تعتبر في إسبانيا والبرتغال والمكسيك، وبعض دول أمريكا اللاتينية الرياضة الوطنية المحبوبة عند الجماهير .. ومما يلاحظ زائر إسبانيا رؤية ثور كبير عند مدخل كل مدينة وقرية..
حتى في ذروة قوة الإنسان وأوج كرههم للعرب .. بعد إكتشاف الإيطالي (كولمبوس) لأمريكا ،سموا كثيرا من البلدان في العالم الجديد بأسماء مدن إسبانية، إما جميلة ، وإما تاريخية تماماً كما سمى العرب اشبيلية(حمص ) وغيرها من المدن الأندلسية لتذكرهم بموطنهم في الشام .. فسموا قرطبة في الأرجنتين ، وفلنسيا في فنزويلا ، التي تشتهر المنطقة الواقعة فيها بحديقة أسبانية لكونها من أجمل البقاع .. وأكثرها خصوبة ، والحقيقة أن كل ما يراه في الأندلس ينطبع بالطابع العربي ، بنسب متفاوتة سواء في الناس أو في الأشياء كالأزقة الضيقة ، والحواري التي تذكرنا بحواري دمشق والقاهرة ، وتونس ، وبغداد ، وفاس .. وذلك في أشكال المنازل المتميزة بنوافذها العربية على أوربا .. وزينتها المستوحاة من الشرق حتى الكنائس تبدو عندنا كالمساجد .. ومرد ذلك الثمانمائة عام التي أقام العرب فيها بإسبانيا، وهذا أمر طبيعي حدوثه" .
ولكن غاب عن صديقنا أن التفوق حين يكون مصحوبا بالعدل والتسامح يجد الاستجابة السريعة فتتحدى العقول والعزائم الصعوبات ، وتذلل وعورة المسالك .. حيث تتمهد السبل نحو بلوغ الغايات فتحقق أفضل حياة يستظل بظلها الناس المتعاملون مع بعضهم برفق وشرف وأمانة .
وقد كان العرب قوما يتحلون بأجمل الصفات.. فاجتمعت فيهم مقومات أدهشت كثيرا من المهتمين بتاريخهم ،وتراثهم ، وسير حكامهم ــ فيما مضى ــ فإنقاذ الناس لهم ، وتفتحت المواهب برعايتهم .. وأقرب مثل نأخذه من إسبانيا العربية، ما حدث إبان إمارة عبدالرحمن الثاني الذي ضرب مثلا بالحلم والصبر والتسامح فتمادت زمرة موتورة لا شأن لها متجرأ على الشكل العلني وقد لمس قاضي قرطبة الذي لم يكن يقل عن الأمير حلما وتسامحا فأراد أن يتجنب هؤلاء المغالين من المسيحيين العقاب فنصح أحدهم على حد رواية ستانلي لين بول بأن لا يتمادى بما هو فيه كي
يتفادى العقاب فقال له :((اذهب يا بني لا يسمعك ولي الأمر فيأمر بقتلك)) مربتا على كتفه ومبتسما في وجهه فذهب هذا مجاهرا بالشتم . فلما بلغ في تجاوزاته حدا لا يطاق صدر عليه الحكم الذي يستحقه ، فسيتقبله مرحبا لاعتقاده الفاسد بأنه سينضم إلى زمرة الشهداء والقديسين .
كما أن الإسبانيين.. حين تقارنهم بعالم القارة الأوربية ، تجدهم محافظين .. ومما يدعوا للإعجاب حقا أن العهر الجهري محدود في إسبانيا .. والميسر إلى ما قبل سنتين كان ممنوعا .. ولا أدري الآن هل أقاموا كازينوهات للمقامرة أم عدلوا عن هذه الفكرة ، فخلال وجودي فيها علمت أنهم يفكرون بفتح أندية للميسر .. بعد أن يجري تعديل القانون الناص على ذلك بحظرها ، وذلك لأن بعض المخططين توهم أ، افتتاح مثل هذه الأندية سيساعد على اجتذاب السياح .. ولكن يفكر هؤلاء بشيء جوهري من شأنه مضاعفة الأعداد مثل تحسين الخدمات أو بيسير المعاملات وتسهيل السفر لبلادهم رغم أن أسبانيا تعتبر في هذه النواحي من أحسن البلدان ، إلا أن التوقف عند حد معناه التجمد ؟ . وفي هذا المجال نجد أن بريطانيا ــ لا زالت رغما من سقوط عظمتها سياسيا واقتصاديا وأخلاقيا وأمنيا ، وحاجتها الماسة للسياح تتدلل بمنح تأشيرات دخول لأراضيها؟!.
إ ن أغلب الذي يؤمون أسبانيا في جميع فصول السنة لا تنقصم هذه النوادي في ديارهم ، ومعظمهم إما من طلاب المعرفة ، ومشاهدة الآثار العربية وغيرها ، والإطلاع على أمهات الكتب ونوادر المخطوطات التي تحفل بها مكتباتها العامرة بشتى ثقافات الأمم .. وإما طلاب راحة واستجمام في (مايوركا) وجزر الكناري . والتمتع بمناخها الدافئ أثناء الشتاء ، المعتدل إبان الصيف.
من هنا تنبعث عظمة رجل اسبانيا الراحل ، الذي استطاع أن يخلص بلاده من الشيوعيين ، والفوضويين ، ودعاة الديمقراطية المزيفة ..فجعل منها بلدا مفتوحاً وبالكل مرحبة ، بعدما قضى على الفتنة وانتصر على معارضيه .. في الداخل والخارج .. وفي الغرب والشرق..فشمل ربوعها الأمن متنعمة بالاستقرار حتى أن نسبة الجريمة فيها قياسا بأوربا المنغمسة بها حتى الرقاب .. لا تكاد تذكر .
نعم لا غرو أن تبدو الأشياء مسلمة في أسبانيا ، رغما على التعصب المسيحي الأعمى من قبل حكامها ، ورهبانها الذين تولوا إدارة شؤونها بعد ترك العرب لها .. فأضروا بها من حيث ارادو نفعها بسبب قصر نظرهم ومحدودية مفاهيم .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق