الاثنين، 27 أبريل 2009

الصورة الرابعة : مدينة ابن مالك وحمص الأندلس




أقصى مدينة في جنوب إسبانيا ــ أول عرب تطأ أقدامهم أوربا ــ بعد سقوط قرطبة صارت اشبيلية مركزا ثقافياً وتجارياً وعسكرياً ــ عندما قال الاشبيلي: العرب رغم أمجادهم وانتصاراتهم وتفوقهم العسكري بقوا أسرى صحراء جزيرتهم مفتونين بالبداوة.
ذكرنا في الصورة السابقة أن رحلتنا من ملقه إلى اشبيلية استغرقت خمس ساعات وساعتين قضيناهما لالتقاط الركاب المشتركين بالرحلة من منتجعاتهم المحيطة بالمدينة ورغم ذلك لم نشعر بتعب إلا في منتصف الليل ولكننا لم نذكر أن الرحلة تخللتها استراحة في " طريفة " لم تتجاوز الأربعين دقيقة تناولنا خلالها طعام الإفطار واستراحة أخرى غذاء في الفندق المحجوز لنا فيه في المدينة المقصودة ، حيث بدأت بعد هاتين الاستراحتين جولتنا على معالم اشبيلية القديمة حتى مغيب الشمس.
وطول الطريق من منطقة البداية إلى نقطة نهاية محطتنا الأولى ، كانت المشرفة على الرحلة تحدثنا من ميكروفون أجلسته قبالتها على ماصة صغيرة عن يمين السائق بلغات ثلاث هي : الإنجليزية ، والفرنسية ، والإيطالية بالإضافة إلى لغتها الأصلية ، التي تتكلمها معظم دول أمريكا الجنوبية وتتوقف إلا لدقائق قليلة بين الحين والحين تراجع أثناءها أو تستعد أو تتذكر .. وفي الحقيقة قد وجهت أنظارنا إلى العديد من الأشياء ، واستطاعت أن تزودنا من معلومات لم نكن نعرفها.. وكانت أثناء سردها برنامج الرحلة قد ذكرت مدينة " طريفة " وأننا سنصلها في الساعة كذا ...وسنقضي بها مدة كذا ... لنأخذ قسطا من الراحة ونتناول الإفطار ومن الجميل أنها لم تنس أن تعرفنا على المدينة ، لأنها مدينة غير عادية ويظهر أن الوقوف بها متعمدا أو مرتبا لكونها ذات تاريخ وشهدت أحداثا تقرر على أثرها مصير اسبانيا كذلك فإن المسافة بينها وبين ملقه كافية لبعث الرغبة في الراحة ما دامت المسافة بينهما وبين ملقه كافية لبعث الرغبة في الراحة مادامت الرحلة رحلة استجمام واستطلاع وليست رحلة عمل أو إنجاز مهمات ، سيما وأن النهوض الباكر من النوم لم يسمح لنا بتناول الفطور لسببين : ــ عدم كفاية الوقت للجلوس من أجل تناوله ولأن المطاعم لم تكن قد تجهزت لخدمة مرتاديها بعد.
ومع أنها ذكرت أن المدينة منسوبة إلى قائد عربي يعرف بهذا الاسم فقد أخطأت حيث أن اسمه كما هو معروف" طرف بن مالك الذي أرسله موسى بن نصير على رأس خمسمائة من الجنود للاستطلاع ، الاستكشاف وجس النبض فعبر بسفن يوليان مع رجاله فكانت أول بقعة نزلوا بها من جهة مضيق جبل طارق عند المكان المعروف بالجزيرة الخضراء .. ما سميت واشتهرت باسمه .. ولكن الأسبان يدعونها طريفة ، وتعتبر هذه المدينة أقصى مدينة أوربية من الناحية الجنوبية ، باتجاه إفريقيا الشمالية ، وأول أرض وطأتها أقدام عربية .
كانت هذه الحملة الاستطلاعية ، ممهدة للفتح العربي العظيم لشبه الجزيرة الأيبيرية ، حيث عاد قائدها بعد أن قام بما أنيط به خير قيام ، وهو يحمل معه معلومات في غاية الأهمية ، ومن أهم ما عاد به ، وكانت دافعا لبعث موسى بن نصير ومضاعفة حماسه وعزمه على غزو اسباني ــ معلومات تتلخص في النقاط التالية :
1) تأكد حاكم سبتة في حلقة مع العرب وفي كرهة لملك أسبانيا القوطي .
2) تأكد له أن المقاومة ضعيفة والتماسك منعدم بين الجنود.
3) تذمر كثير من الأهالي من السلطة القوطية وتوقهم الشديد للتخلص منها ، فقد قوبل القائد عند دخوله الأراضي الإسبانية بترحيب حار، وسمع كثيراً من الشكاوى، بسبب معاملة القوط لهم القائمة على التمييز ، وعدم إنصاف المظلومين
4) انقسام الناس في اسبانيا بين ابناء آخر ملك شرعي لها من القوط (وتيزا) . والضابط المتمرد " لوذريق تيود وفريد" الذي نصب نفسه ملكا بعد انتصاره على الملك الذي ثار ضده نبلاء وأشراف القوط احتجاجا على تجريدهم بغية عودة ما كانوا يتمتعون به .
وهكذا كان طريف ورجاله أول عرب في التاريخ شهدوا أوربا فسمى الموضع الذي يواليه على اليابسة بعد عبوره من أفريقيا باسمه .. وقد عمر وحصن فتحول مدنية من مدن الأندلس الشهيرة والمزدهرة ويبدوا أن موقع طريفة بمحاذاة جبل طارق .. وقربها من أفريقيا ومكانتها التاريخية جعل لها أهمية منذ أيام العرب الأولى ولكنها رغم ذلك لم تصل ما وصلت إليه غيرها من المدن الأندلسية الأخرى وذلك نظرا لصغرها وقلة عدد سكانها وحداثة قيامها وهي حتى الآن لا زالت صغيرة في مساحتها وعدد سكانها لايتجاوز العشرين ألفا.. وإدارياً تتبع مقاطعة قادس وقد نهبت المشرفة إلى أننا نستطيع رؤية الجو صحوا وفي الليل تظهر أمامنا أنوار المدينة المغربية وهذا ما لاحظناه إبان وجودنا في طنجة.. حيث سكنا فندقا على البحر مواجها للشاطئ الإسباني فكنا نراها في حالات صفاء السماء ولم تغب عنا أنوارها قط ليلا في المدة التي أقمنا في المدينة المغربية.
بوابة الأسد مدخل قصر اشبيلية الكبير.
ومن الغريب أن اسبانيا التي لا زالت تعاني من الوجود الأجنبي ، على قطعة من أرضها ن وتذوقت مرارة الاحتلال ــ وأن يكون محدودا ــ ولكنه في بقعة استراتيجية من حيث ربطها البحر المتوسط بالمحيط الأطلسي وكونها نقطة مواصلات هامة وقبل هذا وذاك ، فجبل طارق الذي تمركزت فيه بريطانيا ، وكان قبل غروب شمس عظمتها نقطة حيوية في أمن ممتلكات الإمبراطورية العجوز ــ وإن خفت قيمته ــ فلا زال ميناؤه يضج بالحركة ، والبضائع المعفاة من الرسوم ، تتكدس في أسواقه وقد صار مجمعا لشتات الاستعمار البريطاني ، مما تفيد منه الحكومة الإنجليزية .. وإلا ما أصرت على البقاء به بحجة رغبة سكانه ، الأمر الذي جعله لا يتصل بالعالم إلا من خلال البحر والجو بعد أن حظرت الحكومة الإسبانية عمل الإسبانيين فيه والدخول من أرضها إليه.
الغريب أن إسبانيا التي تحاول التخلص من الوجود البريطاني في أرضها ، الذي حدث إثر معاهدة أبرمت بين إسبانيا ، وبريطانيا، تتمسك بسبتة العربية .. المغربية
إن اسبانيا التي لها في نفوس العرب مكانة خاصة ، فقدرتها على أكمل وجه ، وعملت على ديمومتها فناصرت القضايا العربية ، ولم تعترف بالكيان الصهيوني ، واخذت تعمل على توثيق علاقاتها بكل الدول العربية ، واستجابت لسكان الصحراء فتخلت عنها ـ.. لا يبدو أنها مع كل ذلك تحاول أو تتعمد الإساءة إليهم، فتتجاهل أماني سكان سبتة بالإنضمام إلى الوطن الأم ,قد حز في نفسي حقيقة ما رأيته . وأنا في طريقي من طنجة إلى تطوان حيث مررنا على سبتة الواقعة على الساحل المغربي ، وفي الأرض المغربية، ولم يكن يفصل بيننا وبينها سوى مائة متر ، ورغم ذلك لم ندخلها بسبب عدم التصريح لسائق اللسيارة المغربية التي تقلنا بالدخول ، لأنه لم يكن يحمل جواز سفر ، ولم تكن عندنا رغبة في تركه، فاكتفينا بالنظر إليها.
وبالمناسبة فسبتة هي الصخرة التي بدأ منها التحرك العربي نحو أوربا ، من المكان المحاذي لصخرة هرقل ، فدعى الموقع الذي عبر منه جيش الفتح العربي إلى أيبيرية باسم قائده طارق ابن زياد .. وكانت أول مستعمرة أوربية في القارة الإفريقية وسكانها الآن يقاربون مائة ألف معظمهم عرب مغاربة .
المهم تحركنا من طريفة باتجاه اشبيلية بين مروج وغابات ومناظر متنوعة لا تمل العين النظر إليها، حتى حاذينا مدينة قادس الشهيرة.. ويسمونها بالإسبانية (Cadis)وهي تعتبر من أعرق وأقدم وأهم مدن الجنوب الغسباني وسموها (غادير) وجاء بعدهم القرطاجيون وتلاهم عليها العرب من أهم الموانئ على الأطلسي وهي الآن عاصمة لمقاطعة ، ومن الموانئ المهمة ولكننا للأسف لم ندخلها وكان من المفروض ما دامت على الطريق أن نميل نحوها .. ولكن الذي حصل أن المشرفة نبهتنا إليها مشيرة إلى موقعها منا فشاهدناها على البعيد عن يسارنا وعند الاقتراب من اشبيلية دخلنا وسط بلدة صغيرة طابعها العربي واضح بأزقتها الضيقة ودورها المزينة بالسيراميك ، والنقوش ، وأخيراَ أقبلنا على اشبيلية فجأة في خيالي صورة شاعرها المبدع وسلطانها المنحوس إبان حكم ملوك الطوائف العرب للأندلس هذا المسكين الذي لقي من الأصدقاء أكثر مما لقي من الأعداء فذاق مرارة سلبه الحكم ، والنفي والفقر حتى أن بناته بعد العز والجاه صرن سخطن لصاحب شرطته الذي لم يرع معروفا، أو يقد عشرة ، ولم تتم فرحته بالذلاقة التي تحولت إلى مأساة على يد حليفه بالأمس ضد النصارى وعدوه بعد أن طمع بحكمه فمات محمد بن المعتمد بن عباد حسرة ، بعدما تألم من الغدر ، وعانى من القهر في سجن إبن تاشفين ف أغمات.. ومن ثم دخلنا ثالث مدن أسبانيا بعد مدريد وبرشلونة .. وقاعدة جزئها الجنوبي واشبيلية يسمونها بالإسبانية (sevilla) وبالإنجليزية (sivill) وهي حاليا تشتهر بكثير من الصناعات كالدخان والمواد الكيماوية والمفرقعات والمعدات الحربية والعطور وتمتاز ببعض الفنون وزائرها يلاحظ سعة شوارعها فساحة ميادينها وتنسيق ممراتها، وتنظيم حدائقهاوكبر مبانيها نسبيا وأناقة فنادقها ، وحركة أسواقها الغاصة بالناس والبضائع ، ,مما يلفت النظر فيها جامعنها العريقة اتي أسست قبل ما يزيد على الأربعمائة سنة و بها أيضاً مطار دولي ، ومحطة لسكة حديد تصلها بجميع اسبانيا وبعض الدول الأوربية وفي أحد أكبر ميادينها في قلب المدينة ينتصب تمثال (السيد ) ويلفظ بالإسبانية كما يلفظ بالعربية تقريبا .. والاختلاف فقط أنهم بدلا من لفظهم لقبه باللام الشمسية يلفظونه بالقمرية ، واسم السيد الحقيقي هو ( رود ريجود ياس دي بيفار) ويعتبره الإسبانيين بطلا قوميا وقد بولغ كثيرا في بطولته وفروسيته ، وكان مجالا رحبا لخيال الكثيرين هي أن ظهوره كان في القرن الحادي عشر الميلادي، كفار من فرنسا ملك قشتالة من فرنسا وفي هذا الوقت كان الضعيف قد دب في أوصال دولة المرابطين ، التي ورثت ملوك الطوائف على الأندلس ، وباتت تواجه تحديا لسلطانها في أفريقيا من قبل الموحدين.. ولما كان السيد طموحا ومحبا للمال أو لخلافات كانت تقوم بينه وبين الملك القشتالي ، أو حاشيته ، فإنه لا يتورع من الانضمام إلى أعدائه وقد حارب في صوف المسلمين ضدهم ، وظل طوال حياته بين هؤلاء وهؤلاء حتى تمكن منه ما يقرب من العشرين عاما انتجت هوليود فيلما عن حياته مليئا بالمغالطات التاريخية .
تاريخيا نجد اشبيلية قد توالت عليها كثير من الأحداث ، التي اكتسبتها مركزاً مرموقا منذ أيام الفينيقيين إلى أن جعلها الرومان عاصمة لمقاطعة (بيتكا ) وبنوا بجوارها أثرا تمثل في مدينة (اتاليكا ) وفي عهد الوندال والقوط الغربيين أوليت عناية خاصة . وعندما سقطت بأيدي العرب سنة 712م حظيت باهتمام بالغ ، وصارت من ثم مقرا لإمارة بني العباد ، ولما آل حكمها للمرابطين ، شهدت ازدهارا ثقافيا وحركة تجارية حتى انتزعتها من الموحدين (فرديناند الثالث ) حاكم قشتالة . عام 1248م ومن المعروف أن العرب سموا اشبيلية حمصا تيمنا بحمص الشام ، ولا أدري ما الذي دعاهم إلى هذه التسمية.. أبسبب أن أكثر من أقاموا بها بعد الفتح العربي كانوا أساسا من حمص الشامية . أم أن السبب يعود إلى موقعها بمحاذاة نهر الوادي الكبير.. الشبيه بنهر العاصي تقع على ضفافه حمص الشام.. أو لكون طقسها شديد البرودة شتاء ، وتيار الهواء فيها قوي كحمص الشامية؟؟؟.
عند مدخل مدينة اشبيلية توقفنا دقائق قليلة لالتقاط بعض الصور التذكارية وبعد ذلك اتجهنا إلى الفندق المقررة إقامتنا فيه لليلة واحدة فقط وكعقب تناول الغداء فيه صعدنا إلى غرفنا لأخذ قسط من الراحة ، قبل التوجه إلى زيارة معالم المدينة وهي حسب مخطط الرحلة : قصرها الكبير ويدعونه (الكازار ) (alcazar) والكاتدرائية القريبة من القصر وجولة نفضيها بحي القصبة العربي القديم ويعني أفضل الأحياء أو وسط البلد من حيث الموقع والتنظيم .
في الرابعة بعد الظهر بدأت جولتنا وقد رافقنا دليل يجيد التحدث بالإنجليزية والفرنسية ،، ومعا مما سبب نواع من الارتباك والإطالة, وأول ما دلفنا من المعالم الكازار الذي يعتبر من أجمل القصور عمارة وتنظيمها يعتبر من أجمل القصور عمارة وتنظيما لما يتميز به من فنون معمارية متعددة : لقد بناه (يوليوس قيصر )، وأثناء الحكم العربي ، تطور وازدان وعلا شأنه.. وقد ازداد أبهة بعد سقوط قرطبة ,انتقال الحكم العربي إلى اشبيلية... التي حلت محلها سياسيا وثقافياً، واقتصاديا وحربيا، ولما كانت على جانب من الأهمية الكبرى.. فقد حصنها (الفار ادو) وقصره الملكي الكبير يحوي ثلاثة أقسام رئيسية :
1ــ آثار العرب المعمارية.
2ــ قصر دون بطرس الأول.
3ــ ووفق التطور في القرون المتأخرة أضيفت للقصر عدة أبنية .
لقد قسم إلى أقسام عدة .. كل قسم من أقسامه خصص لفئة من ساكنيه .. وزواره حسب مقاماتهم فهناك
قاعة السفراء في العهد العربي في اشبيلية
أقسام النساء ، رفيعات المقام واللائي أقل درجة .. وللمتزوجين معزولة عن أقسام العزاب وأخرى للخدم والضيوف والحراس هذا لإضافة إلى قاعات الاستقبال كقاعة الأمراء والسفراء والأعيان ، وساحات كساحات الصيد والعديد من الأبواب ، والأبهاء ، علاوة على غرف الانتظار والطعام.
والقصر مزين بالفسيفساء والسيراميك وتحيط به كثير من الأزقة ، والأحياء القديمة التي بدأ التأثير العربي فيها واضحا كل الوضوح .
بدأ الدليل الشرح وأخذ يردد كلمة ليست غريبة عني ولكني لم استطع فهمها بسبب لفظة إياها بعجمة شديده .. وبعد لحظات أدركت أنه كان يريد (الهريم ) أي الحريم.. وهذبا ما جعل دليلنا في غرناطة يستأذن عندما أراد نطق اسم عربي بعد أن تفحص وجوه من حوله وبما أنه قد تعود على رؤية كثير من الزوار العرب لقصر الحمراء ، وسبق له أن زار البحرين صار يعرف سحنة الإنسان العربي ومن ملامحنا عرفنا وذلك على عكس دليلنا في قرطبة الذي يبدو أنه لم يعتد رؤية العرب أو لظنه بأنه يفهم ما يتحده عنه فلم يستطيع تمييزنا من بين المجموعة وأخذ يلفظ كلمات عربية متباهيا بها أمام السياح حتى بلغ الأمر درجة قراءة آية قرآنية في محراب الجامع ، فأخطأ خطأ فاحشا وجدت الصمت معه لا يصح فالتفت نحوي شاكرا وقد انتهزت الفرصة فقلت له : يجوز أن تخطئ إلا في القرآن ــ لاسيما ــ وأنك تقرأه متعبدا فمن المستحسن أن تشير إلى السور دون قراءتها ن لأنك لا تحسن من العربية إلا بضع كلمات تجد مشقة في لفظها ، فكيف بالقرآن وهو أساس حياة المسلم وأصل لغة العرب؟ فأجاب مبتسما : سأتعلم العربية لأنني أعشقها.
ودخلنا القصر فأخذ الدليل يحدثنا عنه ,وقد جعل حديثه عن العرب وكيف أهم استطاعوا تأسيس حضارة راقية وإيجاد مناخ فكري ساعد على تفتح المواهب الفنية وتعرض إلى أهمية الماء في حياة الإنسان العربي الذي رغم بيئته الشحيحة به فهو لا يطيق صبرا عنه وقد ذهلنا بضخامة الأبهاء وعظمة البناء ، وروعة التنظيم ن والتنسيق وفي أحد أقسام القصر توقف فجأة وقال" بماذا توحي لكم هذه الساحة المسقفة على شكل خيمة؟ " " واستمر قائلا" : إن العرب رغم ما وصلوا إليه من الحضارة وما أنجزوه لا زالوا يتوقون إلى بيوت الشعر والخيام وإنهم رغم أمجادهم وانتصاراتهم وتفوقهم العسكري والحضاري واحتكاكهم بأرقى الشعوب بقوا أسرى صحراء جزيرتهم مفتولين بالبداوة "
وفي هذا المقام لنا كلمة وهي: إن الأصالة مكنت العب من الصعود والصمود ، والتواضع جعلهم سادة الدنيا ومعلميها وسمو الأخلاق التي شدد عليها دينهم ملكتهم القيادة ومما لا شك فيه أن بداوة العرب تختلف عن بداوة سواهم من الأمم ــ وإن تنقلوا وجابوا الديار ــ فهم قوم تقوم حياتهم على مبادئ وقيم ومثل عليا وفي نفوسهم اعتزاز وكرامة وشعور بالثقة ــ وإن نزحوا يبقون إلى أرضهم مشدودين ، وبأوطانهم متفاخرون وفيهم من الشجاعة مالا يوصف ، ويمتازون بعدم السكوت على الاهانة. وترحالهم يجدون فيه الحرية والإنعتاق من القيود وبداوة العرب كانت ولا زالت كريمة نبيلة ، لأنها تعني البساطة ، وحب الآخرين والاعتراف بقدرات الخصوم والبسالة والفصاحة والصراحة فغدت البداوة العربية بهذا إلهاما لقيم نموذجية للسلوك الإنساني على عكس من يعيشون البداوة على هامش الحياة بلا قيم أو وطن أو أصل فيحيون متسكعين ينالهم الاحتقار لما في سلوكهم من انحراف لامتهانهم أنفسهم بما يمارسونه من ضروب النصب والاحتيال ، والتشرد، والخنوع، والتذلل، للغير كالفجر مثلا ، وعندما تخلص العرب من بداوتهم ظلوا أوفياء لقيمها ومثلها العليا، فوقفوا أحسن توفيق وعن جدارة نالوا مكانة في التاريخ فريدة .
إثر الانتهاء من زيارة القصر من قمنا بجولة على الأحياء المحيطة به ، ويا للدهشة فكأن الإنسان في أحياء دمشق القديمة خلف الجامع الأموي أو في مصر القديمة أو إحدى مدن المغرب العربي العريقة فالطابع الإسلامي تشاهده في البيوت والحوانيت والمطاعم وطبائع وتصرف الناس.
هذه الأحياء تنقل المرء إلى عوالم الماضي العربي الزاهي ..تنقله إلى عصور التفوق والازدهار وتجعله يعيش مع الأمجاد ويحيا حياة الأجداد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق