
لا أود هنا أن أقدم بحثا في تاريخ إسبانية العربية، فهذا أمر يطول ويحتاج إلى عناء يفرضه على الباحث التدقيق والتحميض ، وملاحقة الحقائق واستقصاء الحوادث، بحيث لا يأتي بمثل حجم هذا الكتيب ولكن هذا لا يعني إهمال التوثيق بالنسبة للأحداث التاريخية.
وبما أن الرجوع للمصادر بمختلف أنواعها سيكون عند الضرورة فقط ، لكوني ــ وإن حاولت بذل جهدي أن التزم الدقة والصدق في تحري المعلومات التاريخية التي تطرأ بين حين وآخر لن أسير وفق المقاييس المرسومة للدراسات الأكاديمية ، لأن ما أسجله مجرد انطباعات أوجدتها مشاهداتي في إسبانيا ، وهذا لا يلزمني بإتباع أصول الكتابة التاريخية ــ وإن طرأـ معلومات ــ فالاستعانة بالذاكرة أو الرجوع من أسلوب قد يسلب شيئاً مما فاضت به عاطفتي وضجت أسلوب حياله أحاسيسي.
في الحقيقة إن نفسي لم تتق لبلد كتوقها لإسبانيا ، رغم زياراتي للعديد من البلدان الأوربية ، وإقامتي بواحدة منها مدة طويلة لحد ما ، ومع أن أغلبها أكثر رُقياً لم أشعر في يوم من الأيام برغبة الكتابة عنها ، فما أشاهده فيها لا يلبث طويلاً حتى يزول عن خاطري .
لا أدري قد يكون هذا تعصبا لحضارة قومي ، في أرض غريبة وبين شعب غريب ، فلقد رأيت آثارهم وكنت مزهواً بما أنجزوه أثناء سيري في وسط لزيارتها من شتى أرجاء المعمورة، لأن الموضوع أعد أساساً ليكون استطلاعاً صحفيا نشرته مجلة اليمامة الأسبوعية على حلقات سنة 1936هــ ففكرت في جمع ما نشر بعد تعديله وتشذيبه وتكثيفه في كتاب، فسنحت فرصة تكفل نادي الرياض الأدبي بنشره مشكوراً ضمن (سلسلة كتاب الشهر) في محاولة منه لتعميم الفائدة في جميع المجالات الأدبية ، وليملأ فراغا تحتاجه المكتبة السعودية في أدب الرحلات ــ إن جازت هذه التسمية ـــ راجياً أن ينال الرضي ويحقق المطلوب.
نشرت الموضوع على شكل حلقات في اليمامة ، تحت عنوان (الفردوس المفقود) وقد حرت قبل أن أعزم في اختيار العنوان، وذلك خوف أن يجد البعض حجة فيقولون : إن فلسطين هي فردوس العرب المفقود ، ولكنني بعد أن أمعنت التفكير وجدت ــ رغم كل ما جرى ويجرى الآن ــ أن فلسطين ستبقى عربية مهما حاول المتآمرون والمتصهينون وأن كل محاولة لتجريد شعبها منها سوف لا تفلح، ففلسطين مهما حصل أو سيحصل ــ لا تماثل إسبانية ، لكونها عربية قبل تدوين التاريخ بألفي عام ن واستمر الحكم العربي فيها عشرات القرون ، وفي قارة عربية ، ولا زالت عربية شعباً وعقيدةً ولساناً وتاريخاً وحضارةً وأرضا ًوكفاحاً.
بينما الحال بالنسبة لإسبانية يختلف ــ وأن نعمت بعدل الإسلام وسماحة العرب فغدت زهرة ممالك العصور الوسطى ، تضوع أريجها ، معطرا حياة أثناء هذه العصور ــ تبقى رغم كل هذا غريبة في أرض بعيدة وفي وسط عرق لا يمت للعرب ولم تكن تتحدث لغة سامية من قبل.
استقر رأيي على هذا العنوان ــ وإن سبق الشاعر الإنجليزي ملتون إليه فردوسية المفقود ولمستعاد ــ فالعرب هم الذين فقد فردوساً كان يمكن أن في حوزتهم ــ لو لم يتفرقوا ويختلفوا وتنصب لهم مشانق التفتيش ــ ولكن كما قالب أبو البقاء الرندي في مطلع قصيدته المؤثرة في رثاء الأندلس ووصف حالها عند خروج المسلمين منها :
لكل شيء إذا ما تم نقصان فلا يغر بطيب العيش إنسان
هي الأمور كما شاهدتها من سره زمن ساءته أزمان
إلا أنني وجدت أن العنوان الآخر ، الذي وضعته إلى جانب العنوان الرئيسي ، يفي بالغرض أكثر ويعطي مدلولاً أدق لموضوعات الكتاب الذي عنونته ( صور عربية من إسبانيا). أعود لأقول تعليقا علي ما سبق ،إن الشعب الاسباني وجد في الحكم العربي الذي شمل شبه الجزيرة الإيبيرية ، عدا (أستور والباسك ) اللتين كانتا بؤرة تجمع الساخطين على فقدان امتيازاتهم ، فأشعلوا الشرارة التي تحولت لهيباً تصاعدت ألسنته حتى أحرقت الكيان العربي ، ومما ساعد هؤلاء على تجاسرهم ن حسد العرب لبعضهم منذ أيام الفتح الأولى ، وصراع الولاة بعد زوال دولة بني أُمية في المشرق، مرورا بالعصبية القبلية ، وعبر الداخل والمتوسط والناصر وغزوات برابرة أوربا ودسائس العرب ضد بعضهم ، وتنافس ملوك الطوائف وطمع المرابطين والموحدين وانتهاء بمأساة أبي عبد الله .
وجد الشعب الإسباني تسامحاً لم يألفه فاستغله الكثيرون ن وكانت الفرصة قد واتتهم من خلال انشغال العرب ببعضهم ، وتعلقهم في أواخر بالمظاهر ن وانسياقهم خلف نواعم الحياة وترفها ن فلما نالهم الضعف ثار هؤلاء مللا من الخلاف ، وتوقا لما توهموه تحررا من دخلاء عليهم .
هذا ولا يفوتني في هذا المقام التقدم بجزيل الشكر وعظيم الامتنان لكل من شجعني بكلمة أثناء نشر هذه الانطباعات، الأمر الذي دفعني إلى ضمها في كتاب بعد غربلتها وتنسيقها ، وأخص بالذكر فخامة رئيس الجمهورية العربية اليمنية الراحل المقدم / إبراهيم ألحمدي ، الذي أبدى إعجابه برسالة عبر بها فخامته رحمه الله عن مشاعره العربية الأصيلة المؤمنة ن وورد فيها معلومات قيمة دلت على ما كان يتمتع به من ثقافة غزيرة .
أما الطريقة التي اتبعتها في تأليف هذا الكتيب فلا تختلف عن الطريقة المعروفة سوى إحلالي الصور محل الفصول فحوت كل صورة مقالا عن موضوع معني ، بالإضافة إلى هذه المقدمة والتمهيد .. والمحتويات ، علماً بأنني لم أضع فهارس المصادر والإعلام والأماكن ، لأننا كما ذكرنا لا نكتب تاريخاً ولكننا أيضا لا نستطيع تجنب ما يضطرنا إليه الموقف في إدراج بعض المعلومات التاريخية . فالتاريخ ينبعث هنا من كل جانب وتحسه في كل ركن وزاوية ، وخلال تجوالنا ظل يحوم حولنا ، والأمكنة التي زرناها.مضمخة بطيبه.
كذلك عمدت في بداية كل صورة إلى وضع عناوين صغيرة ، أردتها بمثابة تلخيص لما جاء فيها .
أخيراً: اسأله تعالى العون أن أو فق إلأى رضاك عزيزي القريء الكريم،
المؤلف
وبما أن الرجوع للمصادر بمختلف أنواعها سيكون عند الضرورة فقط ، لكوني ــ وإن حاولت بذل جهدي أن التزم الدقة والصدق في تحري المعلومات التاريخية التي تطرأ بين حين وآخر لن أسير وفق المقاييس المرسومة للدراسات الأكاديمية ، لأن ما أسجله مجرد انطباعات أوجدتها مشاهداتي في إسبانيا ، وهذا لا يلزمني بإتباع أصول الكتابة التاريخية ــ وإن طرأـ معلومات ــ فالاستعانة بالذاكرة أو الرجوع من أسلوب قد يسلب شيئاً مما فاضت به عاطفتي وضجت أسلوب حياله أحاسيسي.
في الحقيقة إن نفسي لم تتق لبلد كتوقها لإسبانيا ، رغم زياراتي للعديد من البلدان الأوربية ، وإقامتي بواحدة منها مدة طويلة لحد ما ، ومع أن أغلبها أكثر رُقياً لم أشعر في يوم من الأيام برغبة الكتابة عنها ، فما أشاهده فيها لا يلبث طويلاً حتى يزول عن خاطري .
لا أدري قد يكون هذا تعصبا لحضارة قومي ، في أرض غريبة وبين شعب غريب ، فلقد رأيت آثارهم وكنت مزهواً بما أنجزوه أثناء سيري في وسط لزيارتها من شتى أرجاء المعمورة، لأن الموضوع أعد أساساً ليكون استطلاعاً صحفيا نشرته مجلة اليمامة الأسبوعية على حلقات سنة 1936هــ ففكرت في جمع ما نشر بعد تعديله وتشذيبه وتكثيفه في كتاب، فسنحت فرصة تكفل نادي الرياض الأدبي بنشره مشكوراً ضمن (سلسلة كتاب الشهر) في محاولة منه لتعميم الفائدة في جميع المجالات الأدبية ، وليملأ فراغا تحتاجه المكتبة السعودية في أدب الرحلات ــ إن جازت هذه التسمية ـــ راجياً أن ينال الرضي ويحقق المطلوب.
نشرت الموضوع على شكل حلقات في اليمامة ، تحت عنوان (الفردوس المفقود) وقد حرت قبل أن أعزم في اختيار العنوان، وذلك خوف أن يجد البعض حجة فيقولون : إن فلسطين هي فردوس العرب المفقود ، ولكنني بعد أن أمعنت التفكير وجدت ــ رغم كل ما جرى ويجرى الآن ــ أن فلسطين ستبقى عربية مهما حاول المتآمرون والمتصهينون وأن كل محاولة لتجريد شعبها منها سوف لا تفلح، ففلسطين مهما حصل أو سيحصل ــ لا تماثل إسبانية ، لكونها عربية قبل تدوين التاريخ بألفي عام ن واستمر الحكم العربي فيها عشرات القرون ، وفي قارة عربية ، ولا زالت عربية شعباً وعقيدةً ولساناً وتاريخاً وحضارةً وأرضا ًوكفاحاً.
بينما الحال بالنسبة لإسبانية يختلف ــ وأن نعمت بعدل الإسلام وسماحة العرب فغدت زهرة ممالك العصور الوسطى ، تضوع أريجها ، معطرا حياة أثناء هذه العصور ــ تبقى رغم كل هذا غريبة في أرض بعيدة وفي وسط عرق لا يمت للعرب ولم تكن تتحدث لغة سامية من قبل.
استقر رأيي على هذا العنوان ــ وإن سبق الشاعر الإنجليزي ملتون إليه فردوسية المفقود ولمستعاد ــ فالعرب هم الذين فقد فردوساً كان يمكن أن في حوزتهم ــ لو لم يتفرقوا ويختلفوا وتنصب لهم مشانق التفتيش ــ ولكن كما قالب أبو البقاء الرندي في مطلع قصيدته المؤثرة في رثاء الأندلس ووصف حالها عند خروج المسلمين منها :
لكل شيء إذا ما تم نقصان فلا يغر بطيب العيش إنسان
هي الأمور كما شاهدتها من سره زمن ساءته أزمان
إلا أنني وجدت أن العنوان الآخر ، الذي وضعته إلى جانب العنوان الرئيسي ، يفي بالغرض أكثر ويعطي مدلولاً أدق لموضوعات الكتاب الذي عنونته ( صور عربية من إسبانيا). أعود لأقول تعليقا علي ما سبق ،إن الشعب الاسباني وجد في الحكم العربي الذي شمل شبه الجزيرة الإيبيرية ، عدا (أستور والباسك ) اللتين كانتا بؤرة تجمع الساخطين على فقدان امتيازاتهم ، فأشعلوا الشرارة التي تحولت لهيباً تصاعدت ألسنته حتى أحرقت الكيان العربي ، ومما ساعد هؤلاء على تجاسرهم ن حسد العرب لبعضهم منذ أيام الفتح الأولى ، وصراع الولاة بعد زوال دولة بني أُمية في المشرق، مرورا بالعصبية القبلية ، وعبر الداخل والمتوسط والناصر وغزوات برابرة أوربا ودسائس العرب ضد بعضهم ، وتنافس ملوك الطوائف وطمع المرابطين والموحدين وانتهاء بمأساة أبي عبد الله .
وجد الشعب الإسباني تسامحاً لم يألفه فاستغله الكثيرون ن وكانت الفرصة قد واتتهم من خلال انشغال العرب ببعضهم ، وتعلقهم في أواخر بالمظاهر ن وانسياقهم خلف نواعم الحياة وترفها ن فلما نالهم الضعف ثار هؤلاء مللا من الخلاف ، وتوقا لما توهموه تحررا من دخلاء عليهم .
هذا ولا يفوتني في هذا المقام التقدم بجزيل الشكر وعظيم الامتنان لكل من شجعني بكلمة أثناء نشر هذه الانطباعات، الأمر الذي دفعني إلى ضمها في كتاب بعد غربلتها وتنسيقها ، وأخص بالذكر فخامة رئيس الجمهورية العربية اليمنية الراحل المقدم / إبراهيم ألحمدي ، الذي أبدى إعجابه برسالة عبر بها فخامته رحمه الله عن مشاعره العربية الأصيلة المؤمنة ن وورد فيها معلومات قيمة دلت على ما كان يتمتع به من ثقافة غزيرة .
أما الطريقة التي اتبعتها في تأليف هذا الكتيب فلا تختلف عن الطريقة المعروفة سوى إحلالي الصور محل الفصول فحوت كل صورة مقالا عن موضوع معني ، بالإضافة إلى هذه المقدمة والتمهيد .. والمحتويات ، علماً بأنني لم أضع فهارس المصادر والإعلام والأماكن ، لأننا كما ذكرنا لا نكتب تاريخاً ولكننا أيضا لا نستطيع تجنب ما يضطرنا إليه الموقف في إدراج بعض المعلومات التاريخية . فالتاريخ ينبعث هنا من كل جانب وتحسه في كل ركن وزاوية ، وخلال تجوالنا ظل يحوم حولنا ، والأمكنة التي زرناها.مضمخة بطيبه.
كذلك عمدت في بداية كل صورة إلى وضع عناوين صغيرة ، أردتها بمثابة تلخيص لما جاء فيها .
أخيراً: اسأله تعالى العون أن أو فق إلأى رضاك عزيزي القريء الكريم،
المؤلف
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق